18‏/02‏/2012

شارع طلعت حرب.. قصة قصيرة

سائر في طريقه اليومي بشارع طلعت حرب، ملامح وجهه تتشابه مع مثيلاتها في أنحاء المعمورة، ملابسه تُمثل رمزًا أساسيًا لكلمة الفقر؛ الكل ينظر له بازدراء أو شفقة، لم يكن هذا يعنيه، كل ما كان يعنيه هو أن يجمع ما يلزم من المال لهذا اليوم.

"لله يا بيه...اي حاجة يا أبلة"...... بعضٌ من الجمل، وكثيرٌ من المشي ، وقليلٌ من النقود.

لاحظ الطفل اختلافا في هذا اليوم كلما تقدم في الشارع، الجزء الاعظم من الناس سائرعلى أقدامه، لا وجود للسيارات، لاحظ بعد عدة أمتار اعلاما لمصر، كان علم مصر بألوانه الثلاثة مع كل البشر، ممسوكا باليد، أو كشارة معلقة على القميص؛ ظن على الفور انها واحدة من تلك المباريات بين المنتخب المصري وبلد آخر؛ ولكنه لاحظ ان الحشود تتجه الى ميدان التحرير، قال لنفسه ربما ستذاع المباراة في قهوة ما أو على شاشة عرض في الميدان.

"ربنا يخليهم لك يا باشا.. أي حاجة يا باشا"..

كان ينطق كالعادة بتلك الجمل التي حفظها على ظهر قلب، وكالعادة يقابله الناس بـ "غور ياض من هنا" أو في أحسن الأحوال "على الله يا ابني"، لم يلّح هذه المرة في طلب النقود، ذهنه كان مشغولا حقا بهؤلاء الناس، لم يقتنع بأن هؤلاء قد ذهبوا لمتابعة مباراة ما؛ لم يعرف لماذا شعر بأنهم مختلفين ؛ كان يعلم جيدا أن المعلم "عطية" سيعاقبه بشده اذا لم يجمع المال اللازم لهذا اليوم، ولكنه لم يهتم.

لم يعرف لماذا خفق قلبه بشدة مع كل خطوة كان يخطوها اتجاه الميدان؛ ها هو.

"يا نهـــــار!".... كان هذا أول ما نطق به، عندما شاهد هذا التجمع الرهيب من الناس.

ظل واقفا لدقيقة، ثم تنبه إلى أن هذا هو أنسب مكان للعمل، أو كما نقول، للشحاتة.

"لله يا حاجَّة"..

يقولها لسيدة في منتصف الخمسينات فتبتسم وتخرج زجاجة عصير من حقيبة قماشية، تعطيها للطفل مربتة على كتفه، لم يعرف ما الذي حدث للتو، سيدة بهذة الأناقة تعطي لشخص مثله "عصير م الغالي" وترتب على كتفه؟! لا بد من وجود خطأ ما!

فتح الزجاجة وشرب نصف الكمية، واحتفظ بالباقي ليشربة عندما يعود للمنزل، ظل سائرا حتى رأى شاب يوزع بعض الفطائر، هرول نحوه وأستأذنه في واحدة، لم يصدق عندما اعطاه اياها وهو مبتسم؛ أخذها وظل ممسكا بها، وقد قرر انه لن يسأل هؤلاء البشر مالاً، لقد شعر بأن هذا المكان محرمٌ فيه (الشحاتة)...أخذ يدير رأسه في المكان، سمع أناس يهتفون،.. دقق السمع.

"تحيا مصر.. تحيا مصر.."...."الريس لازم يمشي.."

هكذا اذُا، هي مظاهرة، ولكن ما أعظمها من مظاهرة !.....بعد أن زالت حيرته عندما عرف سبب هذا الحشد الكبير، دخل في حيرة أكبر، لم يعرف ماذا يفعل الآن، أيعود للشارع ليجمع قوت يومه؟ أم ينتظر هنا، لقد أعجبه المكان حقا... "خليني هنا شوية".... هكذا حسم قراره، "وأهو يمكن حد يديني أكل تاني"... هكذا فكر، أو بمعنى أدق، هكذا خطط للعذر الذي سيتلوه على (المعلم) عندما يعود خالي اليدين.

ربع ساعة، هي الوقت الذي سارهُ بالميدان... شعر باحساس جميل، ليس من أجل المظاهرة أو من أجل الطعام، بل لأنه لم يعامل ككائن من الدرجة الثانية ، لم يشمئز منه شاب، لم تشد أم ذراع ابنتها بالقوة لتبعدها عنه، ولم يسبّه أي رجل، حتى هؤلاء الذين يلبسون (بِدل)؛ باختصار، كل شيء هنا جعله أكثر سعادة.

بعد لحظات، وجد شبابا يمشون في مسيرة، كان في مقدمتها شابين جامعيين، ظل ينظر لهما باهتمام، كما نظر لأي شخص ولأي شيء أخر؛ وفجأة، اقترب منه الشابان ورفعاه على كتفيهما مرددين "الشعب يريد إسقاط النظام"... شعر بفرحة عارمة، جعلت جسمه ينتفض فجأة وقد دمعت عيناه من الفرح، او من البرد كما قال لنفسه.

"ارحل.. ارحل"...

هكذا كان يردد الشعارات التي حفظها أثناء تجواله بالميدان، كان يشعر أنه زعيم هنا، ينظر لتلك الرقعة الواسعة ولهذا الكم الهائل من الناس، كان يصرخ مرددا الشعارات في محاولة لإيصال صوته لأكبر كم من البشر، شَعَر بأنه ولأول مرة في حياته قد أصبح شخصا له قيمة، فالناس تردد ورائه، والكاميرات تصوره، والأمهات تلوح له، والشباب ترفع يدها اتجاهه بعلامة النصر،... ولكن هذا لم يدم سوى عشرة دقائق أو أقل، فقد سمع فجأة أصواتا تصرخ من حوله، وسمع أصواتا لم يميزها، أصواتا تشبه أصوات (البمب) الذي يسمعه في العيد، ولكنه عرف بعد فترة ليست بطويلة ماهية تلك الأصوات، عرفها بعد أن غابت تدريجيا، وللأبد!

نظر الطفل للميدان، من مسافة بعيدة، كان مشهدا رأسيا خلّابا،.. مازالت الجموع محتشدة بعد كل هذا الوقت، سَر من أجل ذلك كثيرا؛ كان يجول بنظره في الميدان، لاحظ شيئا جعله يدقق النظر؛ لقد كانت صورته،.. مغمض العينين ومبتسم، مكتوب تحتها بالبنط العريض "شهيد الثورة الصغير".

سلمى سالم 2012

22‏/11‏/2011

تحية لعيون مصر

اللي حصل اليومين اللي فاتوا واللي بيحصل دلوقتي في الميدان.. خلاني اتأكد ان المجلس العسكري نسخة من مبارك.. دي حتى مش متطورة.. نفس الدماغ القديمة.. بس للأسف اللي حصل من قوات الجيش ده ما كنش ع البال ابدا.. طب الأمن المركزي والشرطة هو ده واجبهم تجاه " الوطن " من زمان.. واحنا اتعودنا عليه، انما الجيش؟؟
اللي حصل لمالك مصطفى والدكتور أحمد حرارة وأحمد عبد الفتاح وأحمد الفقي.. وغيرهم كتير أوي من اللي اتصابوا في عينهم.. وللأسف في منهم مالحقش يتعالج ومش هيرجع يشوف النور تاني.. ده خلاني افكر ازاي بجد هيعيشوا بعد كده حياتهم؟؟ يعني .. أنا للأسف فاشلة في اني أوصل مشاعري بالكلام.. يكفيني اني حسيت قد ايه بجد دول ابطال.. وانهم فعلا يستحقوا لقب "نور مصر".

كل ده خلاني ارسم رسمة للميدان زي ما انا متخيلاه.. بس وأنا " معصوبة العينين " تماماً..

ربطت عيني بايشارب ورسمت الرسمة دي على ورقة بيضة.. رتبت الأول الالوان والفرش بترتيب معين ما انساهوش.. اعتبرت الرسمة دي تحية وشكر على طريقتي.. تحية لكل الأبطال اللي بينزلوا الميدان وبيتصابوا ومع ذلك بيكملوا.. بجد ربنا معاهم ومع مصر.. تحيا مصر..